top of page
Search
  • Writer's pictureSaleh Amin

ماذا يحدث في مصر ؟


قرر رئيس الحكومة المصرية الخروج إلى الرأي العام والإدلاء بإعتراف حول الوضع الاقتصادي الذي يرى أنه وصل لما يمكن وصفة بأزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ مائة عام فالديون تجاوزت حدودها الآمنة وعلى ما يبدو أن الحكومة نفسها تفاجأت بحجم تلك الديون التي وصلت لما يزيد عن 158 مليار دولار أو ما يعادل 92% من الناتج المحلي الإجمالي .


مؤشرات الاقتصاد المصري لا زالت تعطي إشارات سلبية وحتى النمو الاقتصادي الذي أشادت به المؤسسات الدولية قبل سنوات قليلة لم يكن نمواً باتجاه عوائد أو استثمارات فالتوسع الذي حققته الحكومة على مستوى البنية التحتية وتحسين الخدمات الحكومية وبالرغم من أهميته لكنه لم يكن له الأولوية المطلوبة فهي بالنهاية أصولاً غير مدرّة لعوائد أو بما يسمح لها بمساندة ميزانيتها التي تعاني من عجز بلغ 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي .


الإعتراف بهذه الحقيقة، يدفع الحكومة لإستدعاء الظروف الدولية والإقليمية الغير مواتية لعلها تفسر الأزمة الاقتصادية، لكن هذ الإنطباع لا يصمد أمام الأرقام، فمصر لم تكن بأحسن حالاً عندما دخلت أزمة كورونا وبعدها الحرب الروسية الأوكرانية، فالإيرادات الضريبية أقل من قدرتها على تسديد الديون وهي بأحسن الأحوال لا تتجاوز 14% من الناتج المحلي الإجمالي أي أقل بنسبة 44% عن المتوسط العالمي واستثمارات القطاع الخاص تراجعت 60% عن مستوياتها قبل 10 سنوات والتي انخفضت من 64% إلى 25% .


تشير الأرقام الصادرة من وزارة المالية، إلى أنه خلال الشــهور الماضية خرج أكثر من 22 مليار دولار من السوق المصرية والتي تشكل اكثر من ثلثي الأموال الساخنة التي دخلت مصر نتيجة تمتعها بأعلى سعر فائدة حقيقي بلغ 3.4% وهو الأعلى عالمياً، الأمر الذي جعل الحـكومة تعتقد أن هنالك أموالاً يمكن إنفـاقــها .


الأزمة الاقتصادية طالت ايضاً البنوك التي تعاني من عجز بالأصول الدولارية يبلغ 16 مليار دولار وهو ما أدى إلى عدم قدرة مؤسسات الدولة وقطاعها المصرفي توفير الدولارات للشركات والمصانع مما أدى إلى معاناة القطاع الصناعي والذي سبب بإغلاق الالآف من المصانع وتسريح عمالها .


الحكومة المصرية أمام تحديات حقيقية ولعل أهمها كما صرّح به الرئيس المصري هو تداعيات الأزمة الاقتصادية على استقرار الدولة المصرية، فالاقتصاد يبدأ بالتشغيل وينتهي بالتشغيل وهنالك عوامل كثيرة يمكنها دفع النمو للمستويات المطلوبة والتي تستوجب تحقيق نمو سنوي يتجاوز نسبة 8% سنوياً لرفع قدرة الاقتصاد على توظيف 2.5 مليون مصري ولتحقيق تلك المستهدفات فلا بد من استثمار 25% من الناتج المحلي أو ما يعادل 1,750 تريليون جنيه وهو أقل بنصف مليار جنيه عمّا تم استثماره والذي تمّ تسديد عجزه بالقروض نتيجة تراجع الإستثمار الاجنبي المباشر من جهة، ومن جهة اخرى نتيجة ضعف معدل الإدخار الذي يبلغ 14% .


إذا كان هناك مقترحات يمكن تقديمها، فيجب توسيع سيطرة وزارة المالية والبرلمان على القطاع الرسمي الذي تسيطر على 52% منه جهات أخرى، ولا بد من حلحلة المعوقات التي يواجهها الاستثمار المحلي والأجنبي لرفع نصيب القطاع الخاص من الإستثمارات، فالنمو الاقتصادي الحقيقي ليس ما ينتجه إنفاق حكومي غير منضبط بل ما ينتجه القطاع الخاص والإستثمار المحلي والأجنبي.


أما فيما يتعلق بتعويم الجنيه المصري، فهو قدر لا بد منه والأفضل ترك سعره للعرض والطلب مع رفع الفائدة إلى 15% حتى تستطيع الدولة وقطاعاتها الاقتصادية الحصول على الدولار وتستعيد المصانع قدرتها على العمل مرة أخرى، ويمكن للحكومة خلال هذه الفترة بطباعة المزيد من العملة لإتاحتها للمتضررين لتعويضهم عن الدخل المفقود لإنقاذ الطلب من الإنهيار فعجز الموازنة لم يوجد إلا لهذا الغرض وهناك أدوات تستطيع الحكومة بها السيطرة على التضخم ولا نتوقع حدوث ذلك طالما أن زيادة الطلب على السلع والخدمات لا يحدث إلا إذا أعطت الحكومة من لم يستحق أو أعطت الفئات المستهدفة بما يفوق حاجتهم .


مما لا شك فيه، أن الإيجابيات والسلبيات متوفرة دوما ليلتقط منها المحلل ما يشاء، ومن المؤكد أن الوضع المثالي لا وجود له إلا على الورق، وهناك دائماً مجالاً لتحسين الأداء والخروج بنتائج أفضل، لذلك يظل النقد وارداً مادام بناءً وغير متعسف.

bottom of page