لا مجال لإنتقاد المصارف اللبنانية على إغلاق أبوابها أمام عملائها إلا إذا كان سبب ذلك هو تفادي تردي الأوضاع الأمنية الذي قد يهدد بإحداث كارثة لا يمكن توقع تبعاتها .
الاقتصاد اللبناني اقتصاد صغير، اقتصاد يستورد أربعة أضعاف صادراته ويعتمد بشكل رئيسي على تحويلات المغتربين وعلى السياحة والعقار وهي مصادر دخل خارجية متقلبة، خلال العشرين عاماً الماضية فشل الاقتصاد اللبناني في تطوير نفسه ووصل حجم القروض الخارجية أكثر من 150% من حجم اقتصاده الذي إنتكس مع تراجع السياحة الخليجية والاستثمار الأجنبي وتراجع في تحويلات المغتربين بسبب ارتفاع سعر الليرة .
لم يعد لبنان سويسرا الشرق كما كان يطلق عليه، ولم يعد بالإمكان مقارنة لبنان بسويسرا فنصف تاريخ لبنان حروب أهلية في حين أن آخر حرب دخلتها سويسرا كان قبل 500 عام، قد يكون لإنهيار الوضع الاقتصادي في لبنان أسباب كثيرة ولكن الغالبية مغرمة بنظرية الفساد لتفسير المعاناة الاقتصادية التي أنتجت اقتصاد غير قادر على خلق القيمة، فهل الفساد في لبنان واقع أم مجرد إنطباع ؟
البعض يرى أن الأزمة في لبنان أكبر من أن يتم حصرها في الفساد فقط فهو في النهاية كائن هلامي أنتجته مؤسسات ضعيفة والبعض الآخر يرى أنه وعلى الرغم من ضعف المؤسسات ولكن التقاعس عن محاربة الفساد أدى إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية، فالفساد لا يمكن أن يعيش في ظل الديمقراطية والمساءلة والحقيقة المؤسفة أنه لا زال في لبنان من يعتقدون أن لبنان لهم وأنشىء من أجلهم .
لا يمكن إنكار أن مناخ وثقافة الفساد في لبنان لا تساعدان على محاربته، فالفساد كمفهوم مكروه ولكن الفساد كأشخاص يفرض واقعاً مختلفاً فهنالك إحترام للفاسدين كأشخاص وهذا حال لبنان وحال دول عربية كثيرة فليس هناك عزلاً للفاسدين أو معاقبتهم، الفاسدون في الغرب أو اليابان وكوريا يستقيلون ويسجنون وقد ينتحرون أما في الوطن العربي فيمكن نقلهم إلى رئاسة مجلس إدارة إحدى الشركات .
من الطبيعي أن تؤثر الأحداث التي شهدتها لبنان من إقتتال وتدخلات إقليمية على بلد جميل مثل لبنان ولكن ليس من الطبيعي أن تلك الإحداث كانت قادرة لوحدها على إستغلال مقدراته، ولو صحّ أن الفساد في لبنان واقعاً ،أكل الأخضر واليابس، فهنالك واقعاً آخر فرضه الخلل بالاقتصاد اللبناني الذي فشل في خلق قيمة مرتفعة أو في تطوير قطاعاته الخدمية التي لا زالت تقليدية، فلا البنوك استطاعت الحصول على إعتراف عالمي مثل بنوك سويسرا ولا استطاع أي من قطاعاته خلق علامة تجارية منشأها لبناني، ومما يزيد من أزمة الاقتصاد اللبناني أن أسباب الإنتعاش لم تعد متوفرة او متاحة كما كانت، فرؤوس الأموال التي هربت من بعض الدول العربية التي تحولت إلى اقتصاديات إشتراكية مغلقة عادت أو غادرتها إلى مدن أخرى، والحاجة للسوق الأوروبية أصبح في نطاق محدود بعد أن كانت لبنان هي المركز الرئيسي للتوكيلات التجارية الأوروبية في الشرق الأوسط وإفريقيا، بالإضافة إلى ذلك فقد تأثر الاقتصاد اللبناني بالحرب السورية والتي بسببها خسر اللبنانيون الفرص التي كانت متاحة لهم من معابر حدودية وودائع مصرفية ومواد رخيصة .
تبدو الأزمة التي يمر بها الاقتصاد اللبناني معقدة وتأجيل علاجها يزيدها تعقيداً خاصة وأن المعونات التي كان يعتمد عليها لبنان لتسيير اقتصاده خلال السنوات الماضية شحّت نتيجة المماحكات الطائفية وتمارين الهيمنة التي لا تتوقف .
في ظل ذلك، لا يبدو للبنانيين سوى مخرج واحد وهو الخروج من المأزق السياسي، فلبنان الذي أتاحت له المارونية السياسية أن يكون مركزاً مالياً وسياحياً والذي أعطته الحريرية دوراً دولياً على الرغم من بعض الأخطاء، لا زال يعاني من التشيّع السياسي الذي تسبب في عزلة لبنان عن محيطه العربي والدولي !
Comentários