Saleh Amin
حكومة أردنية بلا وزارات !
الذي يقود إلى الإرتباك في ملف إعادة هيكلة القطاع العام الأردني، هو عدم تحديد واضح لهوية الاقتصاد، فهل هو اقتصاد رأسمالي حر يعتمد على القطاع الخاص أم إشتراكي يعتمد على مركزية وسيطرة القطاع العام ؟
حصة الموازنة من الناتج المحلي التي تقيس حجم الحكومة تبلغ 25% والتي كانت في وقت سابق 30% وهي إشارة على أننا نسير في إتجاه حكومة أصغر ورشيقة ولو ببطء، لكن لو أضفنا موازنات الجامعات والبنك المركزي والبلديات فسيستأثر القطاع العام بنصف الناتج المحلي الإجمالي وهي نسبة عالية .
المطلب الاقتصادي بحكومة أصغر هو جزء من الإصلاح الاقتصادي وهو ملف رئيسي من اولويات الديوان الملكي، وكان من المفروض بعد التخاصية أن تتشكل حكومة رشيقة تخرج عن التقاليد المتعارف عليها، لا أن تقوم الحكومات بتمويل كلفة شعبيتها بالديون وبمزيد من الترهل الإداري فعلى الرغم من أن القطاع العام يوظف ثلثي العمالة الأردنية إلا أنه لا ينتج بعد التخاصية سوى 5% من الناتج المحلي الإجمالي !
إعادة ترتيب الجهاز الإداري والحكومي في ظل الظروف الإستثنائية يبدو من القراءة الأولى شعاراً نبتعد به عن التحديات المعيشية والصحية التي تستحق الأولوية، ولكن الإصلاحات الهيكلية هي المطلوبة في الظروف الإستثنائية فالحكومات تعمل دوماً تحت الضغط في جميع إتجاهاته والتي تفرض عليها ممارسات أو قرارات قد تريدها وقد لا تريدها، فلماذا إذاً لا تفرض الحكومة ما تريده مسبقاً من خلال تغيير الطريقة التي تعمل بها وليس ما تريد عمله !
ليس الهدف من الحكومة الرشيقة إلغاء حق الرئيس في إختيار وزرائه أو تقليل دور القطاع العام، فدوره محوري ورئيسي ولا ينكره أحد، لكن وجود القطاع العام بهذه القوة وتدني كفائته وإنتاجيته هو المشكلة، ويمكن تبيان ذلك لو قارنا بين أداء المؤسسات الطبية أو التعليمية في القطاع الخاص مع نظيراتها بالقطاع العام، فإذا ليس بالإمكان رفع إنتاجية القطاع العام من خلال الشركنة (التحرك بهادف الربح) لأن دوره هو المراقبة والتنظيم، وإذا ليس بالإمكان تقليل عجزه من خلال زيادة الضرائب لأن ذلك غير متاح، فلماذا لا يكون هنالك تخفيض وضبط للنفقات ؟
وهنا يأتي السؤال: لماذا لا تعيد الحكومات النظر بالهيكل الإداري من مستوياته العليا فهو بالضرورة سيترتب عليه ترتيب المستويات الأخرى، فكافة المستويات تعاني من الترهل والتضخم،وذلك ليس سراً !
من حسن الحظ أن بعض الحكومات في العالم حققت إنجازاً في هذا الملف، وما نقترحه هو تشكيل مجلس وزاري بصيغة (1+12 وزيراً) أو أي صيغة اخرى، وزراء دولة دون حقائب وزارية، وزراء ممن لهم سجل نجاح في مختلف المجالات وإنجازات محلية أو عالمية مشهوداً لها وتاريخ يستحق ثقة الشعب بهم ، فالمناصب الوزارية كانت سياسية بالمقام الأول ولم يكن هنالك إنجازات وزارية يمكن الإشارة لها، أما المطالبة أو الحاجة لوزراء تكنوقراط، فكل وزارة لديها أمين عام الوزارة وهو أعتى من حيث الكفاءة إذا كان هو الهدف منها !
فيما يتعلق بالجسد الحكومي، فمن حيث الوزارات والمؤسسات ، فيمكن إعادة ترتيبها ودمجها من خلال مراكز خدمة للمواطنين في مختلف المحافظات وأتمتة الخدمات الأخرى فهي مجرد عمليات إلكترونية، وإلا لما الحاجة إلى حكومة إلكترونية ! أو يمكن ترك مهمتها للقطاع الخاص بموجب قوانين تنظم عملها. أما من حيث موظفي القطاع العام فالتعديل المطلوب لا يمس مصالحهم فايرادات التعهيد وبيع المباني الحكومية تغطي تكاليف من يُستغنى عن خدماتهم والذين بالغالب سيحققون نجاحات في القطاع الخاص أو بالخارج،أما من تبقى من موظفين على ملاك الخدمة المدنية فهي مناصب إدارية حيث يمكن تعيينهم بعقود بعيــداً عن نظام الخدمة المدنية .
المجلس المقترح لسفراء الحكومة لديه القدرة على تقديم حلول إبتكارية، فلقد حققوا إنجازات شخصية تكفي للإستبشار بهم وسيوفرون على الدولة تكاليف رأسمالية وجارية ويجنب القطاع العام تكاليف الفساد الإداري والمالي الذي أرهق الخزينة !