Saleh Amin
بوتين الطاغي أم العبقري !
على الرغم من حالة القلق التي فرضها بوتين على الأمن الأوروبي، لكن لا زال الرجل يحظى بشعبيه طالما تمتع بها طيله السنوات الماضية إن كان لدى أوساط ونخب ترى به حليفاً سياسياً وثقافياً أو في مجتمعات توّاقة لبوتين حقيقي في أوطانها، قد يكون ذلك من حسن حظه أو لعبقريته وذكائه كما وصفه الرئيس الأمريكي الأسبق دونالد ترامب .
استطاع بوتين خلال سنوات تحقيق اختراقات في أوساط الجمهوريين الأمريكيين فهو أيقونة اليمين الأوروبي كما وصفه المؤرخ سنايدر وهي شعبية لم يحظى بها زعيم أجنبي في أوساط اليمين الأمريكي من قبل، وهو كذلك يحظى باحترام وتقدير أتباع الكنيسة الأنجيلية وحتى الكاثوليكية لمواقفه السلبية من حقوق الإجهاض والمثليين بالإضافة للنخب السياسية حول العالم المناوئة لليبرالية الغربية .
حتى اللحظة لا أحد يعلم ما يدور برأس بوتين حتى للمقربين منه، فعناده المعروف به قد لا تكون ميزة فيما لو رهن الأزمة ورهننا معها على مزاجه، وفي هذه الحالة لا خيار للأوروبيين سوى التنازل عن أوكرانيا كما تنازلت عن التشيك لهتلر أو عسكرة مواقفها ويبدو أن الخيار العسكري هو القرار الذي اجتمع الأوروبيون عليه حتى اللحظة .
الخيارات العسكرية للدول الأوروبية لا زالت محصورة، على الأقل حتى هذا الوقت، بدعم أوكرانيا بالسلاح إضافة للمساعدات المالية فهي لا تريد الدخول بنزاع مسلح مع روسيا ويبدو أن هذا الدعم سيفضي إلى تحويل أوكرانيا لمستنقع فلو كان السلاح والمال هو الحل لرأينا نجاح ذلك الخيار في الأزمة السورية التي لا زالت تنتظر الفرج، أما الحديث عن فشل العمليات العسكرية الروسية فهي لا زالت في يومها السادس أي أقل من نصف الوقت التي استغرقته أمريكا وحلفائها للدخول للعاصمة العراقية بغداد على الرغم من أنه لم يتم دعم العراقيين بالسلاح كما يجري الآن مع الأوكرانيين ومن المحتمل أن يكون تأجيل الحسم العسكري هدفاً للروس لتحقيق مكاسب اقتصادية .
من حق بوتين أن يقلق وأن يُستفز فحلف الناتو أخلف وعوده التي قدمها للرئيس غورباتشوف بعد سقوط الإتحاد السوفيتي والذي تعهدت دولها بأن توقف توسعها بعد ضم ألمانيا ولكن ما حدث كان العكس فقد توسع الحلف منذ العام 1998 بشكل بات مهدداً للأمن الروسي ، من جهة أخرى، روسيا ليست الوحيدة التي ترفض انضمام أوكرانيا للحلف فهنالك ثمانية دول تتحفظ على تلك العضوية ومنها فرنسا وألمانيا وكان من الممكن تفادي الأزمة فيما لو قرر الحلف انضمام أوكرانيا خلال أسابيع التوتر التي سبقت العاصفة فبوتين العنيد ليس غبياً ليدخل في حرب مع أقوى حلف عسكري .
أوروبا لا زالت بحاجة لروسيا فهنالك عدة ملفات يفرض الروس وجودهم بها مثل ملف الطاقة والإتفاقيات النووية بالإضافة إلى الملفين السوري والليبي، بالمقابل العالم أيضاً بحاجة لموسكو فسقوطها يعني سقوط أنظمة سياسية كثيرة وإعادة رسم حدود الكثير من دول العالم .
بوتين يعتبر أوكرانيا غلطة سوفيتية ومصيرها الذي نراه لا يزال مرتبط بالكرملين والذي تعامل معه الغرب كما لو كان في عهد يلتسين حينما كانت موسكو مصابة بالتوحد، موسكو اليوم هي موسكو بوتين التي تتمتع بفرط الحركة !