يبدو أن تغيير إسم مسرحية (المومس الفاضلة) هو المخرج الوحيد لتصريح عرضها على خشبة المسرح الوطني فهو مسرح الحكومة ولا رغبة بالحكومة في الإشتباك مع مجلس النواب أو الظهور بمظهر الغير مبالي للقيم والتقاليد الإجتماعية خاصة وأن العنوان يربط بشكل مباشر العهر بالفضيلة وهذا لوحده كاف للتحفظ عليها .
المسرحية بالغالب ستعرض باسم آخر على الرغم من أنها عرضت في ستينيات القرن الماضي بنفس إسم الرواية لكاتبها الفرنسي سارتر وهذا لن يغير في مضمونها شيئاً فهي تطرح قضية العنصرية في الولايات المتحدة الأمريكية إلا إذا قام فريق العمل المسرحي بعملية إسقاطات من الواقع المصري وهو الأمر الغير متوقع .
من حسن الحظ أن كلمة المومس تبدو أكثر تهذيباً من مرادفاتها الشعبية وهي ليست غريبة عن نصوصنا الثقافية والفنية والدينية فهي ارتبطت بأكثر من سياق وعمل أدبي مثل قصيدة (المومس العمياء) الذي كتبها الشاعر السياب في خمسينيات القرن الماضي والتي تعتبر من أفضل ما سطّره السياب في النقد السياسي الذي جعل فتاة عمياء في زمن الفساد تمتهن الدعارة ويبدو أن السياب أراد مثل سارتر تسمية الأشياء بمســمياتها دون مواربة أو مجاملة حتى يتضح المعنى فالمعنى لا يتحقق بضمير مسـتتر أو علامة إســتفهام !
أغلب الظن أن تغيير العنوان لن يُنهي جدال المسميات فماذا سيفعل فريق العمل باسم البطلة وما سيكون التأويل المصري لها وهل سنسمع جدالاً آخر لأي دلالة لهذا الإسم ؟
الأسماء في العمل الروائي ليست محايدة فهي لها دلالات وإيحاءات قد تكون دينية أو اجتماعية طبقية، لهذا تحول إسم مديحة بطلة رواية (النظارة السوداء) لإحسان عبد القدوس إلى مادي لأن إسم مديحة له دلالاته الشعبوية والطبقية وقد تكون للأسماء دلالات عكسية كما في روايات نجيب محفوظ مثل المومس نور في رواية (اللص والكلاب) فمحفوط بقيّ وفياً لأدبيات وأعراف الطبقى الوسطى الذي نشأ في أحضانها وعبّر عنها لذلك لم يتلاعب باسم أمينة الأم الطيبة في الثلاثية !
الروائي بوعيه ولاوعيه ليس بمعزل عن السياق الإجتماعي والسياسي وأياً كانت الأسماء أو العناوين التي سيتم اعتمادها للمسرحية الجديدة فهي مجرد تحايل فني ومحاولة نسب أفعالها لمجهول لأننا لا نثق بالراوي بل بالرواية كما قال (غراهام هيو) وأي تشابه بين أسماء الشخوص والأسماء الحقيقية في الواقع هي مجرد مصادفة !
كنا نأمل لو قام فريق المسرح الوطني بمشاكسة مسرحية وطرح قضايا عربية مسكوت عنها أسوةً بالعمل السينمائي (ريش) لتستحق المناقشة فأهمية عرض مسرحيات لأعمال عالمية ليست أهم من الحاجة لعرض رؤيتنا الفنية والأدبية لواقعنا لأن الأدباء والفنانين هم كشافتنا الذين يستطلعون الطريق .
نستذكر هنا الأديب التشيلي (بابلونيرودا) الذي كتب لأهله في سبعينيات القرن الماضي (أرى الدماء تسيل في خواصركم) فاتهمه النقاد بالجنون ولكن عندما إندلعت الحرب الأهلية بعد سنوات قال النقاد : صدق بابلونيرودا .
المطلوب إنفجارات إبداعية في الأدب والفن وهذا لن يحدث بهجرتها للواقع الإجتماعي أو المجازفة بمسرحيات سوريالية تحول الواقع إلى حفلة تنكرية فالواقع مليء بمشاهد سوريالية لا يحتاج مسرح وقور وأدباً كلاسيكياً !
Comments