عندما فهمنا أنه بالإمكان تحقيق استقرار بقيمة الجنيه المصري أمام الدولار قبل سنوات، كنا نبالغ في التفاؤل وكنا طموحين حين طلبنا شبه المستحيل لأننا غير قادرين على دفع ثمن هذا القرار .
المطلوب إذن هو الأخذ بالخيار الأفضل أو الأقل ضرراً ، مما يعني أننا أمام شبكة من التناقضات، ما يجعل إدارة الاقتصاد الوطني واتخاذ القرارات عملية شاقة تتعرض للنقد سواء سارت بهذا الاتجاه أو ذاك !
انخفاضات متتالية شهدها الجنيه منذ العام 2013 والتي تجاوزت بالأمس بعد قرار التعويم 6 أضعاف قيمته أمام الدولار ، وإذا استطعنا السيطرة على معدلات التضخم ، فإننا نستطيع القول بأنه يمكن خفض أسعار الفائدة وتكلفة الديون ومن المرجح أن سـعر الدولار لن يتجاوز وفق هذا السيناريو 33 جنيهاً أو زيادة طفيفة لا تغير الصورة .
يستطيع متعسف أن يصف ما يحدث هو فشل الدولة وأجهزتها بتحقيق وعودها والتي أكدت أن سعر الدولار لن يتجاوز الخمسين جنيهاً، لكن في الواقع ما حدث بالأمس من قرار التعويم للجنيه هو الحيلولة دون (لبننة) الجنيه مما يشكل نوعاً ما ضبطاً واستقرار لقيمته وهذا إنجاز لا يجب التقليل من أهميته أو إنكاره .
بعبارة أخرى يمكن القول أن هدف برنامج الإصلاح الاقتصادي هو السيطرة على معدلات التضخم وليس التركيز على سعر العملة، سعر العملة ليس هدفاً اقتصادياً لأن ما يحدث للجنيه من تآكل في قيمته أمام الدولار هو عرض وليس مرض !
يخطر بالبال أن نذكر بأن الجنيه المصري ليست عملة قوية وهي لم تكن كذلك منذ انقلاب عام 1952 وكان لا بد من القيام بتعويم الجنيه قبل سنوات من الآن ليجد قيمته الحقيقية على ضوء العرض والطلب في السوق الحرة بدلاً من تحديد سعر غير واقعي أدى إلى استنزاف احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية وكلّف الدولة تكاليف عالية .
تعويم الجنيه وهبوطه لمستوياته الحقيقية يعني عودة القدرة على امتصاص الصدمات واستئناف العاملون بالخارج تحويل مكتسباتهم عبر القنوات الرسمية إلى بلدهم، وأن تزداد جاذبية السياحة إلى مصر، وأن تنشط الصادرات الوطنية التي ستبدو أرخص في نظر العالم، ويتم الحد من عجز الموازنة وبالتالي عودة احتياطيات البنك المركزي للنمو والانتقال لحالة جديدة من الإستقرار وإن كان عند مستوى جديد .
المهم أن الحكومة المصرية لم تلجأ إلى الحل التقليدي لكسب الشعبية، وجاء الوقت لكي تتحرك قبل أن تتحول الأزمة إلى كارثة ، وهنا نذكر بأن مصر تلقت دعماً بمليارات الدولارات من الدول الخليجية كما أن المنحة الأمريكية السنوية لم تنقطع فأين ذهبت تلك الأموال ولماذا لم ينتج نمواً اقتصادياً وقوة إضافية للجنيه بدلاً من أن يتراجع من يوم لآخر وتخلق توقعات بمزيد من التراجعات .
الحكومة المصرية تعترف بأنها لا تمتلك ترف الانتظار أو التأجيل ومن غير المعقول أن يستمر شراء الوقت وتأجيل مواجهة الواقع المر، وكان من الضروري فك العقدة دون الحاجة للاعتذار بالظروف الخارجية !
Comments