من المتعارف عليه أن شركة أرابتك أكبر شركات المقاولات الإماراتية وأول شركة مقاولات مدرجة بالسوق المالي وهي أيضاً أول حالة تصفية لشركة مدرجة في أسواق المال الإماراتية.
هذه ليست أولى أزمات مصيرية واجهتها الشركة، فقبل أربع سنوات منيت بخسائر تجاوزت رأسمالها ولكنها المرة الأولى التي تصوت جمعيتها العمومية على عدم إستمرارية الشركة وعلى تفويض مجلس الإدارة لإعلان إفلاسها وتصفيتها بعد عقد ونصف من عملها في قطاع الإنشاءات .
إفلاس الشركات أمر شائع يحدث يومياً في أسواق العالم، ونتائجها على المستثمر يتحملها وحده فهو المسؤول عن نتائج قراراته وعن تأجيل حلوله،محاولات إنعاش الشركة قبل سنوات قرار منحه المستثمرون بالتصويت على إستمرارية الشركة، وهي محاولات لم تحقق النتائج المرجوة منها، لأنها بالمحصلة محاولة إنعاش للشركة لم تكن سوى تأجيل للحلول (مجرد إعادة جدولة) فارابتك لم تكن بحاجة لتأجيل وجدولة ديونها بقدر تقليل حاجتها للمزيد منها !
في الإمارات شركات مقاولات رابحة وأخرى خاسرة مع أنها تعمل في سوق واحدة، مما يشير إلى أن الإدارة هي من تحسم حالة الشركة، وتوسع أرابتك في أسواق الشرق الأوسط لم يضرها فلقد صنّفت كأكثر شركات المقاولات بالشرق الأوسط نمواً في العام 2014 وكانت تمتلك مشاريع نوعية وكبيرة وكان من المفترض أن تكون قادرة على تغطية تكاليفها ! فالأوضاع الاقتصادية الصعبة معروفة ، والإعتبارات الإعلامية في المشاريع مفهومة، لكنها لا تبرر الخسائر فهنالك قطاعات أخرى مثل البنوك حققت أرباحاً رغم أنها أكثر حساسية للظروف الاقتصادية وشركات مقاولات أخرى إستطاعت التكيّف مع الأوضاع الاقتصادية، ففي العام 2012 لم تكن شركة الدار بحال أفضل من حال أرابتك في العام 2016 وكانت على وشك إعلان إفلاسها ولكنها لم ترتكب نفس الأخطاء !
تفسير الأحداث بعد وقوعها يبقى سهلاً لأن النتيجة المطلوب إثباتها من أن مجالس الإدارة هي المسؤول الأول أصبحت أمراً واقعاً،ليس هنالك شركة ممكن أن تستمر بالخسائر عام بعد آخر في ظل مجلس إدارة كفؤ، والغريب أن الإدارة نسيت الخسائر والبحث عن حلول ولم تنس مكافآت أعضائها،فأغلب ما فعلته الإدارة هو شراء الوقت مما سمح لمشاكل الشركة بالتفاقم ، فذنبها على جنبها ومساءلتها هو حق شّرعه القانون والذي أتاح للمحكمة في حالات الإفلاس في اللجوء لأموال أعضاء مجالس الإدارة والمدراء التنفيذيين في حال عجزت أموال الشركة عن تسديد ديونها،وهو حق إستخدمته المحكمة في قضية شركة دريل أند سكيل، وظروف أخرى كان بها قضايا فساد إداري ومالي .
الإقرار بالفساد المالي تهمة يعشقها البعض رغم أنها قد تكون إنطباع وليس واقع وإقرارها يصدر بقرار قضائي، ولكن سوء الكفاءة هو فساد إداري لأنها مهمة تمّ قبولها ومهارات تمّ تسديد رسومها، ونتائج سوء الإدارة تقع على عاتق مجلسها الذي قد يجد نفسه مساءلاً بتسديد العجوزات من أموال أعضائه الخاصة، فأصول الشركة وفق البيانات المالية ربعها شهرة والباقي لم يتم إعادة تقييمه منذ أكثر من أربع سنوات !
الإفلاس قرار إستراتيجي تقوم به الشركات من أجل التفاوض مع المقرضين وهو لا يعني توقف تام لأعمال الشركة حتى لو تمت المباشرة بإجراءات التصفية، فللمحكمة الحق في تأجيل التنفيذ لمدة لا تزيد عن سنة بناءً على مصلحة الشركة والاقتصاد الوطني، الشركة لا زالت تمتلك مشاريع كبيرة ونوعية في الإمارات وفي عدد من أسواق الشرق الأوسط وهو ما قد يتيح لها فاصلاً للعودة ولو بصورة أخرى، فهنالك عدة سيناريوهات ولكن أكثرها رجاحاً هو إستحواذ شركة مقاولات أخرى على أصولها وأعمالها وهي الحالة التي حدثت قبل ذلك مع شركة صروح العقارية .
الضرر من تصفية أرابتك مبالغ فيه،المستثمرون ببورصة دبي تعاملوا مع قرار التصفية على أنه مشروع مؤجل منذ سنوات وخسارة البورصة لأكثر من 40% من أرباح العام كان لأسباب أخرى غير مشاكل أرابتك، أما البنوك المقرضة فلديها الأولوية من أموال التصفية أو من إتفاق الإستحواذ .
أرابتك تمتلك من المعرفة التراكمية ما جعلها إحدى المكتسبات الوطنية الاقتصادية، وما يجعلها قاب شهرين او أقل من إتفاق (بابا نويل) يخرجها من أزمتها، فقيمة الشركة السوقية بعد أشهر من إعلان أي إتفاق سترتفع مما سينعكس بشكل إيجابي على المقرضين والمساهمين وهو في النهاية ما سيصب في مصلحة (بابا نويل) الذي قدّم لأرابتك الفرصة وإستحق عوائدها !
Kommentare